مهنة تعلم صبر أيّوب , وتحتاج إلى مال قارون!
- Bara Elkadr
- 8 مايو 2018
- 5 دقائق قراءة
فن الأرابيسك هو فن الزخرفة بنماذج من الطبيعة وأشكال هندسية متداخلة ومعقدة ، وهو أحد عناصر الفن الإسلامي القديم ، ورمز للعمارة الإسلامية . حيث كان يُزيّن جدران وأعمدة المساجد والقصور أيام الدولة العثمانية ، ثم إنتشر في بعض الدول الأخرى لكنه بقي يعبّر عن الهوية العربية الإسلامية الخالصة وازدهر في سوريا ومصر أما الآن فبدأ فن الأرابيسك في الإختفاء والإنقراض , وأصبح العاملين به يعانون من قلة الزبائن وقلة القبول عليه, وبالتالي من قلة البيع والدخل المادّي من وراءه .
الأرابيسك ... تاريخه , صناعتة و مستقبله .
خلال جولة قمنا بها في شوارع القاهرة القديمة , وجدنا ورشة أرابيسك قديمة لأُسطى أرابيسك يُدعى " علي حمامة " , تحدثنا معه عن تاريخ صناعة الأرابيسك , ودخول فنّ الأرابيسك إلى مصر والعالم العربي عن بداية إنقراض فنّ الأرابيسك وتصنيعه وقلة زبائنه وموارده.
وعندما سألنا الأُسطى " علي " عن بداية دخول الأرابيسك إلى مصر وأجاب بأن بداية معرفة مصر بالأرابيسك كانت في عهد الدولة العثمانية . حيث كان يتم إستخدامه لتزيين القصور , البيوت , المساجد , شبابيك المشرابية , المشرافية , الأثاث و الحرملك وعندما قمنا بسؤاله عن تأثير االحالة الإقتصادية في مصر على حرفة الأرابيسك أكّد أن الحالة الإقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد قد أثرت بشكل كبير على سوق الأرابيسك وميزانيته , فأساس الإعتماد في زبائن الأرابيسك على أجانب . فبالتالي كان لقلة السياحة تأثير واضح على بيع الأرابيسك , فمن النادر أن يأتي زبون مصري لشراء قطعة أرابيسك .
أمّا عن أنواع الخشب التي يتم إستخدامها في صناعة الأرابيسك فقال الأُسطى " علي " أن الزان والأبانوس , العزيزي , البستركي , الموجنة و الأرو هي الأنواع التي يتم إستخدامها لتصنيع الأرابيسك ونارداً ما يتم إستخدام الموسكي , أما أفضلهم فهو العزيزي والموجنة ولكن نظراً لإرتفاع تكلفتهم فيتم إستخدام الخشب الزان في الأغلب .
وعن التصدير فقال الأسطى " علي " أنه كان يتم تصدير الأرابيسك المصري إلى الخارج بقوة خاصة لدول الخليج و أوربا . سواء لمعارض مقامة في هذه الدول بإشراف من وزارة الصناعة المصرية أو بتنسيق مع أشخاص ولكن بعد تدهور الحالة الإقتصادية في الآونة الآخيرة بعد ثورة يناير 2011, فقد هبطت عملية التصدير وأصبح هناك خوف من الإستيراد من مصر, ولكن في أخر سنتين أو ثلاثة بدأت عملية التصدير أن تعود للحياة و لكن بنسبة ضئيلة , أما عن الأنواع التي كان عليها إقبال أكثر في التصدير فدول الخليج تميل أكثر إلى أرابيسك الصدف واللوامع أما دول أوربا كانت تطلب أكثر المشربية والقطع المصنوعة يدويا ً.
وعندما سألناه عن إستخدام الآلات في تصنيع الأرابيسك أجاب بأن ألمانيا وإيطاليا قاما بتصنيع آلات للأرابيسك , ولكنها فشلت لأنها تقوم على فكرة الرسمة الثابتة أو " الإسطمبة " . أما المصنوعات اليدوية تضيف روح أكثر لقطع الأرابيسك , وبالرغم من سهولة المكّن و اللآلات ولكن التصنيع اليدوي يضفي على صانعه البهجة رغم التعب وصعوبة التصنيع والتقطيع , فهذه المهنة كما قال عنها الأُسطى " علي " تعلم صبر أيوب وتحتاج إلى مال قارون .
كيف تم تطوير فن الأرابيسك؟
قال " حمامة " أنه قام بتطوير الحرفة عن طريق المزج بين أكثر من شكل أو أكثر من طريقة كالفرنساوي في الصدف, والفرعوني على البابلي على " عاشوري " , ومزج الزخرف الإسلامي بالمشربيات . فمزج الحضارات ببعضها ينتج عنه حضارة جديدة وشكل إبداعي جديد يميّز كل قطعة بروح مختلفة.
وقال الأُسطى " علي حمامة " أن هناك فرق كبير بين النجارة العادية ونجارة الأرابيسك فنجارة الموبيليا والأثاث تعتمد على مقاسات محدودة وأشكال ثابتة , أما الأرابيسك فهو يعتمد على مقايسات وإبداع و وجهات مباني و حرف هندسية كثيرة .
وعن إختفاء مدارس تعليم الأرابيسك أو المدارس الصناعية بشكل عام , فقال حمامة أن فالماضي كانت توجد أكثر من مدرسة لتعليم الحرف اليدوية ومنها الأرابيسك كمدرسة الوالدة باشا, الخديوي إسماعيل و مدرسة زينب خاتون . أما الآن للأسف لا توجد مدارس صناعية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه ولكن مع الأسف الآن المدارس الصناعية يقال عنها أنها " للفشلة ", ويعود ذلك إلى إختفاء ثقافة الحرف اليدوية والصبر وحب الإبداع , فهذه الحرف كانت في الماضي في أزهى صورها لأن المجتمعات كانت تقدّسها وتحترم الإبداع والصنع اليدوي والحرف الجمالية, فإختفاء وإنقرض فن الأرابيسك وغيره من الحرف اليدوية والفنون القديمة, يعود لإختفاء الثقافات الراقية العريقة .
وفي نهاية حديثة تمنّى الأُسطى " حمامة " أن تعود أهمية الحرف اليدوية إلى المجتمع , وأن يتم إحترامها وتقديرها كما كان في الماضي , و ألا تتأثر أكثر من ذلك بالحالة الإقتصادية أو بقلة إهتمام المجتمع بها .
المخاطر التي تواجه صناعة الأرابيسك .
و من ثم توجهنا إلى " الباطنيه " حيث توجد ورشة الأستاذ " أحمد البقرى " رئيس نقابة العمال الحرفين للبحث حول المشاكل التي تهدد صناعة الأرابيسك و سؤاله عن المخاطر التي تواجه صُناع الأرابيسك ... سوف نسرد الموضوع على النحو التالي ..
هل هناك حرفين محترفين مثل ذي قبل أم لا؟
يتم إعداد الحرفين على النحو التالي يبدأ منذ الصغر في الورش ولكن كلما كبر يضعف مستواها أم الحرفين المحترفين فهم أعداد قليلة تكاد تعد على أصابع الأيد .
ما هي المشاكل التي تواجه صناعة الأربيسك ؟
هناك مشاكل عديدة وأبرزها هي الخامات المستورده للخشب والدهانات وهذه الخامات الخام أسعارها باهظة جداً و مع إرتفاع الدولار وتعويم الجينه أصبحنا نواجه العديد من المشاكل قد تؤدى إلى إنقراض معظم الصناعات الحرفيه .
هل تعويم الجينه و الإرتفاع المستمر للدولار أثر على الصناعات الحرفيه ؟
بالنسبة لتعويم الجينه فقد أثر على المقمين في مصر أم بالنسبة للسياح لم يؤثر على السائح أم الزياده المستمرة للدولار فهو يصب في مصلحه السائح لأن 100 دولار مثلاً يستطيع شراء بها العديد من الأشياء أم على المصريين فقد يأثر سلباً على وضع المصريين وليس الصناعات فقط فمستوى المعيشة أصبح في غير متناول الجميع .
من وجة نظرك كيف ندعم السياحة ؟
العمل على الدعاية بشكل محترف لمصر وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير لأن مصر بها العديد من الأماكن الساحرة والخلابة وتمتلك ثلث أثار العالم ولكن القائمين بالدعاية ليسوا أشخاص محترفين وليس لديهم الحنكه للدعاية الإيجابية لجذب السياح والإهتمام بالتعامل مع سائح من قبل المصرين بشكل حضاري ليعكس الصورة التي يأخذها السائح عن المصريين .
هل حركة السياحة داخل مصر مازلت مستمرة ؟
السياحة قبل الثورة كانت تسير بخطوى ثابتة ومتقدمة وإبتداءً من 2012 بدأت السياحة تتراجع شيئاً فشيئاً و إذا لم يكن هناك حل لهذه المشكلة الكبيرة فمن الممكن أن تنقطع السياحة تماماً في مصر لأنها الأن في مرحلة التدهور ويجب أن يكون هناك حلول سريعة و إيجابية .
هل صناعة الأرابيسك فى تراجع أم تتقدم ؟
صناعة الأرابيسك أوشكت على الإنقراض تماماً فقد قلت بنسبة 70% عن قبل بسبب إرتفاع أسعار المواد المستورده .
هل هناك علاقة بين العمالة والسياحة ؟
هناك علاقة قوية وكلهما مرتبط ببعض فكلما أزادت السياحة كلما زادت العمالة .
في النهاية نستنتج أن الصناعات اليدوية و السياحة تعتبر دائرة متصلة بعضها ببعض أي نقص فيها يسبب خلل بهذه الدائرة و ينقص من قطرها , و لها علاقة وطيدة مع إقتصاد الدولة و قيمة العملات المحليه نسبة للدولار و الأحوال السياسية , و كل هذه الطوارئ توجد بمصر و تؤثر سلباً على الصناعات اليدوية و على صُناعها أيضاً .. فنرجوا الإهتمام الزائد من الجهات المعنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من أشلاء تلك الصناعات , فالدوله بدون هذه الصناعات مثل الجسد بلا روح فهذه الصناعات اليدوية يى تراث و روح الدوله العربية وليست المصرية فقط و هذا الشئ ليس بالمستحيل هو فقط صعب و صعوبة الشئ تعني أن هنالك فرصة دائمه لإيجاد حلول له و هنا هو مربط الفرس الحل لإنقاذ الصناعات اليدوية هو شئ صعب و مفتاح الحل هو " الإهتمام " .. فإهتموا يا من يهمكم الأمر
Comments