top of page

السجاد اليدوي.. بين الهويّة المصرية, وخطر الإنقراض!

السجاد اليدوى من أقدم الصناعات اليدوية التي لازالت موجودة حتى عصرنا الحالي و ترجع صناعته إلى الأتراك ونقلوه إلى المصريين فترة الحكم العثماني لمصر . وقد أبدع المصريون في صناعته وتزيينه فالسّجاد اليدوي صناعة يدوية تعتمد كلياً على العامل بعيداً عن الآلات والماكينات الحديثة ، ويتميز بإرتفاع أسعاره لجودته و متانته فهو يُصنع من خامات الحرير ، والصّوف و القطن ، و الوبر، و يشتهر بألوانه الأنيقة ذات الأشكال المتعددة ، ويتم تخذينه بطريقه معينة بحيث لا تتراكم عليه الأتربة والغبار ؛ فهو مصنوع من الصوف الطّبيعي ، ويشتهر السجّاد اليدوي بحفاظه على جمال شكله فهو لا يتغير مع مرور الوقت . من أنواع السّجاد اليدوي هو المصنوع من الحرير على منول عادي حتى تتناسق أناقته مع موديل أثاث الغرفة ، والسجّاد المصنوع من الصوف المصري .

لذا أتجهنا من الإسكندرية في يوماً سمائُه صافيةٌ و جوه معتدل يعتليه نسمة من الهواء الرقيق إلى رحلة للبحث عن أكبر القُرى و أشهرها في صناعة السجاد اليدوي في مصر و رغم من أن الرحلة كانت شاقه بكل ما تحمل الكلمة من معنى و كان من الصعب إيجاد القرية لأن جميع الطرق المؤديه إليها وعرة و غير ممهده و كان المشهد كأننا ندور داخل متاهة و نحن نبحث عن المخرج لإيجادها و هي تدعى قرية " سقيا أبو شعره " التي تقع في شبين الكوم بمحافظة الشرقية , بعد أن وصلنا إلى القرية سألنا أحد الماره على مصانع السجاد اليدوي قام بوصف الطريق لنا و لم يكتفى بهذا بل ظل معنا إلى أن أرشدنا إلى منزل أحد السكان الذى يملك مصنع للسجاد اليدوي و يدعى " محمد محمود مصطفى " و هو رئيس جمعية السجاد اليدوي بالمنوفية .

و حين وصلنا إلى المنزل أستضافنا الأستاذ محمد و أظهر لنا واجب الضيافة في نُزله المتواضع , و قد تفاجأنا أن محل عمله داخل منزله و هو المصنع الذى يمتلكه و إسمه مصنع " العلاء " تيمننا بإسم ولده , و بعد أن أظهر لنا كرم ضيافته و أوضحنا له أننا نقوم بإجراء موضوع عن الأعمال اليدوية و لم يتغير ترحابه لنا لإعتقاده في بادئ الأمر أننا قادمون لشراء السجاد منه و بعد أن أوضحنا السبب الرئيسي الذي قد جئنا من أجله لم يتغير ترحابه بنا .

و من هنا بدأت رحلة إستكشاف المصنع فقد أخذنا في جولة إستكشافية للمصنع و تعريفنا على أدواته اليدوية و الخامات و كل شئ متعلق بهذه الصناعة ..

و أول ماخطر فى أذهاننا من أسئلة هو سؤال ما هو تاريخ هذه الصناعة في مصر وكانت إجابته أنها بدأت من أيام المماليك و و قد أدخلها إلى مصر بعض العمال المهره الذين عملوا في تركيا و كانوا من الجمالية و عادوا بهذه الصناعة و توارثوها جيلاً بعد جيل لذا نجد أن معظم التصميمات تتصف بالشكل التركي و الإيراني و لا يوجد سوا تصميم واحد فقط مصري و هو رسم المملوكى , و قد أرنا كيف تتم صناعة السجاد اليدوي عن طريق وضع الخيوط و رصها بشكل معين في الآله التي تتكون من عمودين حشبيين بينهما خطوط متعارضة يتم وضع الخيوط من بينها و تتم الصناعة بهذة الطريقة التي تأخذ وقتاً طويلاً , و شاهدنا العديد من السجاد مكتمل الصنع و العديد من التصميمات و بعض التصميمات مختلفة و مبتكرة على سبيل المثال إذا نظرت إليها فى موضعها تقرأ كلمة معينة و إذا نطرت إليها رأساً على عقب سوف تقرأ كلمة أخرى تماماً .

وسألنه بعد ذلك عند تدريب العمالين بها أوضح أنه يتم تدريبهم من سن صغير حتى يصلوا إلى سن الرشد ويصبح حينها محترفاً في الصناعة وكان في الماضي الأيدي العاملة تكون ماهيتها قليلة و لكن كانت مناسبة للعيش أما الأن فهي لا تكفي لتأديت الواجبات و الإلزامات التي تقع على عاتق الشباب لذا أصبحوا يفروا من العمل في هذه المهنة , أما عن المواد الخام فيتم إسترادها من الصين و روسيا و تركيا لأن هذه البلاد أصبحت رائدة في صناعة المواد الخام للسجاد اليدوي كالصوف و النسيج و الخيوط و كل ما يلزم لهذة الصناعة , و بعد ذلك قام بالنداء على ولده ليرانا معاً كيفية الصنع و رأينا فيهم الترابط الأُسرى في العمل . ثم أخذنا إستراحة و بعد ذلك خضنا مرة أخرى في بحثنا عن صناعة السجاد .

و أثناء إستراحتنا كنا نتحدث عن البلد و ماحدث فيها من أحداث سياسية و إقتصادية أخبرنا بأنه بعد أحداث ثورة 25 يناير و في ظل الإرتخاء السياحي الذي نعيشة الأن فقد تراجعت نسبة الشراء إلى ما يقرب النصف عن المعدل الطبيعى و أُغلقت العديد من المصانع فيي القرية مع العلم أن القرية في التسعينات من القرن الماضي كانت كل القرية تعمل في صناعة السجاد اليدوي و كان هذا مصدر الرزق الوحيد للعاملين بها , و في بداية القرن الحالي ظلت تقل و تتراجع بشكل ملحوظ إلى أن إندثرت في الوقت الحالي و أُغلقت العديد من المصانع و لم يتبقى مثل ما عبر لنا ( متبقاش إلا مصانع تتعد على صوابع الأيد الواحدة ) .

ثم أخبرنا عن آلية البيع و الشراء لأننا كنا نريد الخوض في هذه النقطة إذا ماكان المشترى يقوم بالشراء منك في محل عملك أم من المعارض التسويقيه للسجاد , فقال لنا أن هناك أفواج تأتي من الخارج لتشتري منا في محل عملنا و آخرون ينتظرون المعارض التسويقيه ليقوموا بشراء المنتجات في المعارض الخاصة بالغرفة التجارية على مستوى مصر كلها و إن كميات البيع لا تكون بنسبه محددة فهي تكون مرتبطه بالمعارض مثل الصندوق الإجتماعى و الأندلس و فيرينكى , و أوضح لنا أيضاً تكلفه صناعة السجاد تكون بنسبه 20% او 30% من المكسب و في بعض الأحيان تتوقف على نسبة العرض و الطلب و سعر مواد الخام في السوق .

و كانت هذه الجملة نهاية حديثنا مع الأستاذ محمد عن صناعة السجاد اليدوى ثم قمنا بالسلام عليه و توديعه في ظل جو من المعرفه و الدهشه التي كانت تلازمنا بسبب معرفة معلومات عن هذه الصناعة المهمشه و إستكشافها , و قررنا المغادره و العوده مرة أخرى إلى الإسكندرية .

وعند العوده ذهب كلا منا إلى منزلة و في صباح اليوم التالي و أثناء محاضرة مشروع التخرج قمنا بعرض ما توصلنا إليه و الثمار التي جنيناها من الرحلة و توضيح الأسباب التي أدت إلى تدهور الصناعة بسبب الأحوال الإقتصادية , التعويم , قله العمالة و قله توافر الأسواق و المعارض الخاصة بالسجاد و في مناقشة تمت بيننا و بين زملائنا . , إذا ما كانت هذة الأسباب التى أدت إلى إنحدار هذه الصناعة منتشرة في هذه المنطقه الريفة فقط لبعدها عن العاصمة ؟ و قلت إهتمام المسؤلين بالأسواق الريفية أم أصاب المدن الكبيرة ما أصاب القُرى الريفية ؟ , وهل تتختلف أسباب نقص العمالة في المدن عن الريف ؟ , و مدى تأثير الثورة على الصناعة بشكل عام ؟.

قد إستحوذ الفضول على تفكيرنا و تتالت الأسئلة في أذهاننا جميعاً فقررت مجموعة من زملائنا بالذهاب و البحث عن إجابات لتلك الأسئلة و وضع حد لهذا الفضول .

فعلى الفور تجمع زملائنا و حددوا وجهتهم إلى الموقع الجديد المراد البحث فيه على الإجابات و هي عاصمة مصر مدينة القاهرة مركز التجارة و وجهت التجار و المصب الأساسي لكل الأسواق و المعارض , بتصور أنها سوف تكون أحسن حالاً من السوق الريفى .

فإستقلوا القطار من الإسكندرية من محطة سيدى جابر لبدء الرحله إلى القاهرة , عند وصولهم إلى القاهرة و بالتحديد في محطة رمسيس قاموا بالتوجه إلى شوارع القاهرة القديمة للبحث في الورش و بين " الصنايعية " على الإجابات و كان الآتى ...

وخلال جولتهم بين الورش القديمة في شوارع القاهرة , ألقاهم القدر بورشة قديمة تعمل في صناعة السجاد اليدوي بعد عناء طويل من البحث و قاموا بالتحدث مع " جابر إسماعيل " , وهو صاحب أحد ورش السجاد اليدوي في القاهرة القديمة , والذي وَرث هذه الحرفة عن آباؤه وأجداده .

والذي قد أخبرهم أنه تعلَّم صناعة السجاد اليدوي منذ طفولته , وحينها كانت صناعة السجاد يدوياً تحظى بمكانة مهمة بالنسبة للناس , فكانت شيء أساسي في مهر كل عروس , أما الآن فأصبحت مجرّد أنتيكة في بيوت الهُواه .

كما وأضاف " عم جابر " أن هناك أنواع أو جنسيات للسجاد اليدوي , فهناك سجاد عجمي وأفغاني وإيراني , وهي أنواع متوفرة أيضاً في السوق المصرية بجانب السجاد المصري , ولكن الفكرة ليست في إختلاف الأنواع ولكن في إختفاء الزبائن المحليين , ولجوئهم إلى السجاد الميكانيكي المصنوع آليا ً.

و قال عن الخامات التي يُصنع منها السجاد اليدوي , أن هناك ثلاثة أشكال للسجاد اليدوي , الصوف أو الحرير أو الجُبلان , كما يمكن أن يتم تصنيع سجادة من خلط نوعين من الخامات , كالصوف والحرير معاً مثلاً , ويختلف كل نوع عن الأخر من حيث الشكل والسعر , فالحرير هو الأغلى بين أنواع السجاد , ولكن الصوف هو الأكثر إنتشاراً نظراً لإنخفاض سعره نسبياً مقارنة بالحرير .

كما أوضح لهم مراحل تصنيع السجاد اليدوي , فأول مرحلة هي تصميم السجادة على الورق , ثم غزل الخيوط وعقدها لتأسيس السجاد , ويتم إدخال خيط صوف بعد غزله وصبغه على حسب الألوان المطلوبة لتمتين وتقوية البناء , ثم وضع الخيوط على المنوال , وأخر مرحلة هي تهيئ السجادة للعرض والبيع عن طريق غسلها وتنظيفها وكويها , وقال أن سُمك السجادة يختلف من عامل لآخر كما يختلف سعر السجادة حسب سُمكها , فكلمها كان السُمك أرفع , كلما زادت متانة السجادة وزاد سعرها .

أمّا عن نوع الصوف المستخدم فهو صوف الغنم العادي والذي يطلق عليه " كورك " , كما أضاف أن مراحل تصنيع السجادة اليدوية تستغرق وقتاً طويلاً , فيمكن للمصانع التي تقوم بتصنيع السجاد الميكانيكي عن طريق الآلات , أن تصنع آلاف السجاجيد في نفس الوقت الذي قد يصنع فيه العامل اليدوي سجادة واحدة فقط يدوياً .

و كانت هذه الإجابات بمثابة التعريف الكامل بصناعة السجاد اليدوي و من البديهي أن لا يكون بها أى إختلاف في طرق الصناعة عن المصانع الريفية لأنها حرفة مصرية قديمة و تتشابة طرق صناعتها في أي مكان .

و كان ما سوف يأتي بعد ذلك هُم المراد من الرحلة و السبب الرئيسي لها ألا و هو إيجاد إيجابات عن الأسئلة التي قمنا سؤالها و إرضاء الفضول في داخلنا .

بسؤال " عم جابر " عن السوق السجاد اليدوي في مصر , فقد قال أن سوق السجاد اليدوي للأسف في طريقه للإنقراض , بسبب إعتماد الناس على السجاد الآلي , خاصة لحداثة أشكاله وألوانه .

, و بإجابته عن الحالة الإقتصادية في البلد , و أضاف إلى أن التعويم و إرتفاع سعر الدولار له أثر كبير في إنحدار المستوى العام للصناعة , وتدهور السياحة قد أثر بشكل ملاحظ على سوق السجاد اليدوي , كما تأثرت الحرفة بعد ثورة 2011 , و أيضاً غلاء المواد الخام و قلة العائد مقارنة بأسعار الخامات .

كما لجأ العديد من عمال السجاد اليدوي إلى حرف أخرى , ليتمكنوا من سد إحتياجاتهم نظراً لقلة العائد من السجاد اليدوي , خاصة بعد إرتفاع تكاليف الإنتاج في صناعة السجاد بسبب زيادة أسعار الخامات ومصاريف التشغيل والنقل والأدوات المستخدمة .

وأنهى " العم جابر " حديثة عن التصنيع اليدوي للسجاد بأسفه على الوضع الذي تمر به الحرفة من تهميش وتهديد , وأكد أنه لن يتخلى عن حرفته مهما حصل , ولكن يخشى أن يسوء الحال أكثر ولا يجد منها أي عائد أو دخل يكفيه ليعيش هو وأفراد عائلته الكريمة, نظراً لقلة العائد, وقلة الإقبال على هذا النوع من العمل اليدوي .

هنا وصلنا لنهاية الرحلتين و ما فيمها من شقاء و عناء للبحث عن صناعة السجاد اليدوي و ما تحتويه من أصالة و عراقة و ما تضمه في صدرها من مشاكل جامه قد تؤدى بحياتها في أي وقت , هي الأن تلفظ أنفاسها الأخيرة و في طريقها نحو الإنقراض و بالأخض بعد أن تبين لنا أن المشاكل التي تواجه الريف المصرى هي نفسها المشاكل التي تواجه الحضر و إثبات أنها مشاكل عامة , و لكن هل ستصحوا ضمائرنا و نأخذ خطوة جدية في إيجاد حل لأيقاظ هذا التراث النائم ؟

و الموضوع الأن أصبح لا يقتصر فقط على المحافظه على العراقة و الأصالة بل طال شريحة من شرئح المجتمع المصرى و أصبح يهدد إستقرار الأُسر العاملة في هذه الصناعة و أوشكوا أن ينخفضوا إلى أسفل خط الفقر بعد أن كانوا يعيشون حياة لا نقول بأنها راغده و لكنها " مستوره " .

ألا يجب علينا حفظ ماء وجه هؤلاء الرجال الذين يخاطرون بمكانتهم الإجتماعية و حياتهم و أحوالهم المادية و على العلم لا يخاطرون بأنفسهم فقط بل أيضاً فى رقابهم نساء و أطفال و لديهم التزامات حياتية , يخاطرون بكل هذا فقط من أجل المحافظه على أصالة حرفتهم , و مع كل هذا ما زالوا شامخين الرأس ولم يحنوا جبينهم للفشل و الإستسلام بل منهم أيضاً من يحاول جاهداً لإحياء هذا التراث , و لكنهم كالإنسان الذى يسير عكس التيار أو كالغريق الذي يتعلق بقشة و كله أمل أن تنجيه هذه القشة من الغرق . فمن قساوة القلب أن نقف مكتوفي الأيدي و نشاهد ما يحدث بقلب جاف المشاعر , أفيقوا يا من بأيديكم القرار قبل حدوث أمور لا تحمد عقباها .

قمنا بأداء واجبنا الصحفي و رصد المشكلة من كل ناحية و لكن مجتمعنا كالآلة الكبيرة يجب أن تعمل كل تروسها لكي تُدار بشكل صحيح , قمنا على ما نأمل بإداره الترس الخاص بنا بالشكل الصحيح و الأن هو دوركم في إداره التروس الخاصة بكم , الكرة الأن في ملعبكم فقوموا بأداء واجبكم على النحو الأمثل .


Comments


ليه بره الكادر؟

عشان فيه ناس كتير مهمشين, ملهمش صوت و واقفين بره الكادر, إحنا بنحاول ندخلهم في الصورة معانا.. عشان صورة الوطن تكمل

  : تواصل معنا علي
!..شاركنا بأفكارك

 

Email: baraelkaddr@gmail.com

​​​

bottom of page