عم شعبان مبيض النحاس: زبائني يتزايدون بفضل أصحاب المطاعم والفنادق والمنتجعات السياحية
- Bara Elkadr
- 9 مايو 2018
- 3 دقائق قراءة
عم شعبان نموذج للأصالة ليس فقط في إصراره على الاحتفاظ بتقاليد مهنته المتوارثة العتيقة " مبيض النحاس " ولكن في تعاملاته الدافئة وحديثه الذاخر بالحنين إلى عادات وأعراف وحميمية الزمن الجميل.
"الرزق على الله، والحمد لله خير ربنا كتير " هكذا بدأ عم شعبان مبيض النحاس رده على سؤال عن عدد زبائنه ونوعيتهم بعد انقراض استخدام النحاس في الأواني المنزلية والتجارية، وأضاف وهو يستعيد ذكريات الزمن الجميل: " أنا عشت وحضرت سنوات كانت فيها الأواني النحاسية هي الأكثر استخداما وانتشارا في الحياة اليومية للبيوت المصرية في القرى والمدن. وكانت مدعاة للتفاخر كجزء أساسي من "شوار العروسة"، حيث كانت قيمة النحاس تأتي مباشرة بعد الذهب.
وحين يتقدم شاب للزواج بفتاة فالاتفاق على «النحاس» كان يرتبط بالاتفاق على الذهب، فكما يتم تحديد جرامات الذهب التي سيقدمها لعروسه، تتم مفاوضته أيضا على كم قنطارا من النحاس يمكنه أن يشتريها للشوار. ليتمكن أهل العروسين من التباهي بالذهب والنحاس معا أمام المجتمع فكما يتم التباهي بـ "الشبكة" يتم عرض أواني الطهي، والإبريق، والصواني، و«طشت الغسيل»، وغير ذلك من الأواني النحاسية التي يتم نقلها في عربة مكشوفة لبيت الزوجية.
زبائن النحاس
ويقول "عم شعبان " إنه يعتمد حاليا في الحفاظ على مهنته التي توارثها عن والده وأجداده على زبائنه من أصحاب المطاعم والقرى السياحية والفنادق و قاعات المناسبات، حيث يستخدم غالبيتهم الأواني النحاسية اللامعة والقدور والصواني والأباريق في المآدب والحفلات ووجبات البوفيه المفتوح، إلى جانب زبائنه من هواة اقتناء وعرض القطع النحاسية الفنية في تزيين القاعات والفيلات والفنادق فيما يسمى " بفن الطرق على النحاس".
ويضيف عم شعبان أن النحاس يحتاج إلى فن ومهارة وجهد كبير في تنظيفه، ونظرا لارتفاع حرارته بسرعة فإن سخونته الشديدة تحتاج إلي قدرة هائلة علي الاحتمال والتأني والصبر في التعامل مع المعدن، لذلك فإن "مبيض النحاس" يقاوم مواجهته للحرارة المرتفعة بالغناء الشجي، أثناء عملية الجلي والتنظيف، حتي لو كان الغناء غير مفهوم، المهم أن يتوافق مع حركة جسده، والالتفاف بطريقة نصف الدائرة، فالغناء والتنغيم يكون فعالا في مقاومة حرارة النحاس، وتحمل الاستمرار في حركة الجسد والقدمين بلا ملل، ويصف عم شعبان حركات عامل التنظيف الماهر وليونة جسده بمؤدي «رقصة التويست» الذي يقبض بيديه علي شيء ثابت كشجرة أو عامود، وإذا أنجز الإناء يقفز قفزتين سريعتين ليعلن اكتمال تبييضه ليبدأ في آنية أخري، ليخلصها من " الجنزرة " وهي طبقات سامة من صدأ النحاس بلون أخضر يجب التخلص منها أولا بأول في الأواني وإعادة صقلها ولمعانها البراق.
قصدير التبييض
ويحكي " عم شعبان " عائدا بذاكرته إلى طفولته حيث كانت مهنة «تبييض النحاس» مرتبطة بوجود وانتشار الأواني النحاسية، فكان «مُبيِّض النحاس» يتجول في الأحياء الشعبية والراقية على حد سواء وأيضا القرى، ويعلن عن قدومه لزبائنه من ربات البيوت بصوت "منغم"، لتأتيه النساء بأوعيتهن «المجنزرة»، أي التي أخضرَّ لونها، ويقف في مكان فضاء لعدة أيام، بعد أن يجمع الأواني ويدون عليها أسماء أصحابها ، ويعمل بحماس في تبييض الأواني بقوة ليزيل عنها «الجنزار» الذي أصابها، ثم يضعها علي نار حامية في فرن يصنعه بمهارة فائقة في موقعه، ليتمكن من طليها بالقصدير وهي ساخنة، فالحرارة الشديدة تساعد علي ذوبان القصدير وانتشاره على سطح النحاس والالتصاق الشديد به، وتساعد مادة النشادر علي اكتمال هذه العملية بسهولة، فتصبح الطبقة بيضاء لامعة، وهذا سبب تسمية المهنة بالـ «مبيض». والقصدير كان يشكل طبقة عازلة للنحاس حتى لا يتفاعل مع الطعام ويفرز عناصر سامّة، وكان ظهور "الجنزرة" دليلا على انتهاء مفعول القصدير، وإشارة إلى ضرورة التبييض.
ويضيف عم شعبان أن النحاس وقتئذ كان يمثل مخزونا استراتيجيا للأزمات، فإذا ألمَّت بالعائلات أزمات مالية «تفُك زنقتها» بثمن النحاس، لأنه مخزن قيمة سعره غالبا ما يزيد. ومن الطرائف المرتبطة بالنحاس التي يتذكرها عم شعبان أن الريفيين كانوا إذا ضبطوا لصاً لدى أحدهم، «يُشيّلُونه نحاس البيت»، ويدورون به في شوارع القرية ليُجرسُوه بفعل السرقة، ومن هنا جاءت كلمة «زفُّوه بالنحاس» دلالة على فضيحة من يضبط بجريمة ويفتضح أمره بين الناس.
الألومنيوم والميلامين
ويستطرد أن النحاس ظل بمكانته إلى أن ظهرت أواني «الالومنيوم» كبديل له، وانتشرت الأطباق الخزفية، والميلامين وأنواع مستحدثة عديدة ، وتبدلت الأحوال جذريا، وانحصر دور النحاس في الإطار السياحي فقط، وباتت تصنع منه تحف فنية ذات طابع تراثي يشتريها الأجانب والسائحين وهواة الأنتيكات، أو يستخدم ديكورا في البيوت والفيلات والقصور والفنادق والقرى والمنتجعات السياحية كأواني الزرع اللامعة، وكذلك في المطاعم لإضفاء الجو واللمسات الشرقية في شهر رمضان مثل قِدرة الفول النحاسية وأباريق تقديم المشروبات وأحيانا الأكواب في الجلسات والأركان العربية والبدوية. ويختتم " عم شعبان بتاع النحاس" كما يدون على كروت التعارف وكما يحب أن يناديه معارفه بهذا اللقب، قائلا "إنه متفائل باستمرار مهنة مبيض النحاس مع تطويرها لتواكب العصر ، وخاصة بعد عودة استخدام المعدن حتى ولو على سبيل الحنين للزمن الجميل وأناقته ورونق أدواته وفخامتها ، لذلك فهو يدرب ويعلم الجيل الجديد مهنته التي لن تندثر طالما النحاس كمعدن موجود وإن اختلفت مجالات استخدامه واختلفت معها طرق صيانة وتبييض القطع النحاسية.
Commentaires